/ الفَائِدَةُ : (104) /

20/11/2025



بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / سَيِّد الْأَنْبِيَاء وسائرأَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ مُعلِّمون ومُرَبُّون لجملة المخلوقات/ / جملة الأَنبياء والرُّسل أَنبياء ورُسُل لمرتبة سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ النُّوريَّة/ إِنَّ ما ورد في بيان قوله تعالىٰ : [هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ](1) برهانٌ وحيانيٌّ دالٌّ ـ من خلال إِطلاقه وإِتيانه بصيغة المضارع ؛ في المواضع الثلاثة : (يَتْلُو) و(يُزَكِّيهِمْ) و(يُعَلِّمُهُمُ) ، الدَّالَّة علىٰ التَّجَدُّد والِاستمرار التَّأبيدي ـ : أَنَّ سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ هو المُزكِّي والمُعَلِّم والمُرَبِّي الأَوَّل لكلِّ البشر إِلى ما بعد عَالَم القيامة وإِن كانوا من سائر أَنبياء أُولي العزم ؛ فإِنَّ جميع الأَنبياء والرُّسل عَلَيْهِم السَّلاَمُ ، بل والمرتبة النَّازلة من طبقات حقيقة سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ وهي طبقة بدنه الشَّريف ونفسه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الجزئيَّة النَّازلة ـ رُسُلٌ وأَنْبِيَاءٌ لمرتبته النُّوريَّة ، وهذا ثابت في بيانات الوحي عند الفريقين(2). فلاحظ : أَوَّلاً : بيان الحديث القدسي(3) الوارد في شأن تبليغ سورة براءة : « ... إِنَّه لا يُبَلِّغ عنكَ » ـ أَي : عن قلبكَ المبارك وهو البيت المعمور في السَّماء الرَّابعة ـ « إِلَّا أَنتَ » ـ أَي : الطَّبقة النَّازلة منكَ يا رسول الله ، وهي البدن الشَّريف ـ «أَو رَجُل منكَ»(4). وثانياً : بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، عن المفضَّل ، قال : « قال لي أَبو عبدالله عَلَيْهِ السَّلاَمُ : يا مفضَّل ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الله تبارك وتعالى بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وهو روح إِلى الأَنبياء عَلَيْهِم السَّلاَمُ وهم أَرواح قبل خلق الخلق بأَلفي عام ؟ قلتُ : بلىٰ ، قال : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّه دعاهم إلى توحيد الله وطاعته واتِّباع أَمره ، ووعدهم الجنَّة على ذلك ، وأَوْعَدَ مَنْ خالف ما أَجابوا إِليه وأَنكره النَّار؟ فقلتُ : بلىٰ »(5). ثالثاً : بيان زيارته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : « السَّلامُ عَلَيْكَ يامُبَلِّغا عَنْ اللهِ ... وَالمُكَلَّمَ مِنْ وَراءِ الحُجُبِ ، الفائِزَ بِالسِّباقِ ، وَالفائِتَ عَنِ اللِّحاقِ ... فَبَلَغَ الله بِكَ أَشْرَفَ مَحَلِّ المُكْرَمِينَ ، وَأَعْلىٰ مَنازِلَ المُقَرَّبِينَ ، وَأَرْفَعَ دَرَجاتِ المُرْسَلِينَ حَيْثُ لايَلْحَقُكَ لاحِقٌ ، وَلايَفُوقُكَ فائِقٌ ، وَلايَسْبِقُكَ سابِقٌ ، وَلايَطْمَعُ فِي ادْراكِكَ طامِعٌ ... أَوَّلِ النَبِيِّينَ مِيثاقاً وَآخِرِهِمْ مَبْعَثاً ، الَّذِي غَمَسْتَهُ فِي بَحْرِ الفَضِيلَةِ ، وَالمَنْزِلَةِ الجَلِيلَةِ ، وَالدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ ، وَالمَرْتَبَةِ الخَطِيرَةِ ... »(6). رابعاً : بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... بِنَا فَتَحَ اللَّـه ، وبِنَا يختم ، وبِنَا يَمْحُو اللَّـهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ...»(7). خامساً : بيان تفسيره صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : «[مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا] لا يهوديّاً يُصَلِّي إِلى المغرب ولا نصرانيّاً يُصَلِّي إِلى المشرق [وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا] على دين مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ »(8). سادساً : بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « ... وَلَقَد أَقَرَّت لي جميع الأَوصياء والأَنبياء بِمِثْلِ ما أَقَرَّت به لِـمُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ... »(9). سابعاً : بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « في قول الله (عَزَّ وَجَلَّ) : [فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا](10) قال : التَّوحيد ، ومُحَمَّد رسول الله ، وعَلِيّ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ »(11). ثامناً : بيان أَبي الحسن صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، قال : « ولاية عَلِيّ مكتوبة في جميع صحف الأَنبياء ، ولن يبعث الله نبيّاً إِلَّا بنبوَّة مُـحَمَّد ووصيّه عَلِيّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِما »(12). ودلالة الجميع واضحة. وبالجملة: إِنَّ سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الغائص والفاحص عن التَّوحيد هو مُعَلِّم التوحيد لجميع الأَنبياء والرُّسل عَلَيْهِم السَّلاَمُ ، ولا زال مُعَلِّمهم إِلى قيام السَّاعة ، بل وبعدها. / أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ مُعلِّمون ومُزكُّون لجملة الملائكة/ بل، سَيِّد الْأَنْبِيَاء وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ هم المُعلِّمون والمُزكُّون لجملة الملائكة ، منهم : المُقَرَّبون ـ إِسرافيل ، وجبرئيل ، وميكائيل ، وعزرائيل ـ عَلَيْهِم السَّلاَمُ ، وإِن كان جبرئيل عَلَيْهِ السَّلاَمُ وسيطاً في الوحي النَّازل ؛ للطبقات النَّازلة من ذات سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ . فانظر : بيانات الوحي ، منها : أَوَّلاً : بيانه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : « ... أَوَّل ما خلق الله (عَزَّ وَجَلَّ) أَرواحنا فأنطقها بتوحيده وتمجيده ، ثُمَّ خلق الملائكة فَلَمَّا شاهدوا أَرواحنا نوراً واحداً استعظمت أَمرنا فسبَّحنا ؛ لتعلم الملائكة : إِنَّا خَلْق مخلوق ، وأَنَّه مُنَزَّه عن صفاتنا ، فَسَبَّحت الملائكة بتسبيحنا ، ونزَّهته عن صفاتنا ، فَلَمَّا شاهدوا عظم شأننا هلَّلْنا ؛ لتعلم الملائكة : أَنْ لا إِله إِلَّا اللَّـه ؛ وإِنَّا عبيد ، ولسنا بآلهة يجب أَن نُعبد معه أَو دونه ، فقالوا : لا إِله إِلَّا اللَّـه ، فلَمَّا شاهدوا كبر محلِّنا كبَّرنا ؛ لتعلم الملائكة : أَنَّ اللَّـه أَكبر من أَن ينال عظم المحل إِلَّا به ، فلَمَّا شاهدوا ما جعله الله لنا من العِزَّة والقوَّة فقلنا : لا حَوْلَ ولا قوَّة إِلَّا باللَّـه ؛ لتعلم الملائكة : أَنَّه لا حول لنا ولا قوَّة إِلَّا بالله ، فلَمَّا شاهدوا ما أَنعم الله به علينا وَأَوجبه لنا من فرض الطَّاعة قلنا : الحمد للَّـه ؛ لتعلم الملائكة : ما يستحق اللَّـه تعالى ذكره علينا من الحمد علىٰ نعمه ، فقالت الملائكة : الحمد للَّـه ، فبنا اهتدوا إِلى معرفة توحيد الله (عَزَّ وَجَلَّ) وتسبيحه وتهليله وتحميده وتمجيده ... »(13). ثانياً : بيانه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الوارد في حقِّ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... مرحباً بِمَنْ خلقه الله قبل أَبيه بأَربعين أَلف سنة ... إِنَّ الله خلقني وعليّاً من نورٍ واحدٍ قبل خلق آدم بهذه الُمدَّة ، ثُمَّ قسمه نصفين ، ثُمَّ خلق الأَشياء من نوري ونور عَلِيّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، ثُمَّ جعلنا عن يمين العرش ، فسبَّحنا فسبَّحَتْ الملائكة ، فهلَّلْنا فهلَّلوا ، وكبَّرنا فكبَّروا ، فكلُّ مَنْ سبَّح الله وكبَّره فإِنَّ ذلك من تعليم عَلِيّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ »(14). ثالثاً : بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... لم نزل أَنواراً حول العرش نُسَبِّح فيُسَبِّح أَهل السَّمآء لتسبيحنا ، فلَمَّا نزلنا إِلى الأَرض سبَّحنا فسبَّح أَهل الأّرض ، فكُلُّ علمٍ خرج إِلى أَهل السَّماوات والأَرض فمِنَّا وعنَّا ... »(15) (16). ودلالة الجميع واضحة. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الجمعة: 2. (2) إِنَّ ما يُثار من صيحات من أَنَّ البشريَّة إِذا تكاملت عقولها أَمكنها الِاستغناء عن سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وعن دين الإِسلام نابع عن قصور نظر في معرفةٍ بحقيقة سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ؛ فإِنَّ طبقات حقیقته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ غير المتناهية بحور علوم زخَّارة لا تنضب أَبداً ، ومن ثَمَّ تجد أَعظم مخلوق علىٰ الإِطلاق صدر من ساحة القدس الإِلٰهيَّة بعد سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ يصف نفسه تابع ، بل عبد من عبيده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ . فانظر : بياناته صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، منها : أَوَّلاً : بيان خُطْبَته (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : « ... وإِنِّي من أحمد بمنزلة الضَّوء من الضَّوء ...». بحار الأَنوار، 64: 100. ثانياً: بيانه (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) في جوابه علىٰ سُؤال حَبْر من الأَحْبَار ، قال : « ... يا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ! أَفَنَبِيٌّ أَنتَ ؟ قال : ويلكَ ، إِنَّما أَنا عبدٌ من عَبيد مُحمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ». أُصول الكافي، 1: 64/ح5. والنُّكْتَةُ : علمه (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) بخطورة وهول بحور طبقات حقيقة سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الطَّمْطَامَة غير المتناهية ، وَأَمْوَاجها النُّوريَّة المُتلاطمة . (3) ينبغي الِالتفات : أَنَّ الحديث القدسي وإِنْ لم يكن في مَصَفِّ ورتبة بيانات القرآن الكريم ، لكنَّه أَعظم من الحديث النَّبوي. (4) بحار الأَنوار، 35: 293. معاني الأَخبار: 298/ح2. (5) بحار الأَنوار، 15: 14/ح17. علل الشرائع: 85. (6) بحار الأَنوار، 97: 184. مصباح الزائر: 33. مزار الشهيد: 42. (7) بحار الأَنوار، 68: 61/ح113. تفسير فرات الكوفي: 137ـ 139، هود: 113. (8) بحار الأَنوار، 26: 287/ح46. تفسير العياشيّ: 177، آل عمران:67. (9) بحار الأَنوار، 39: 343/ح15. بصائر الدرجات: 53 ـ 54. (10) الروم:30. (11) بحار الأَنوار، 26: 277/ح18. توحيد الصدوق: 342. (12) بحار الأَنوار، 26: 280/ح24. بصائر الدرجات: 21. (13) عيون أَخبار الرِّضا عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، 1: 193/ح22. (14) بحار الأَنوار، 25: 24/ح42. (15) المصدر نفسه/ح41. (16) هناك ضابطة وحيانيَّة وعقليَّة مفيدة جِدّاً، واردة في أَبواب المعارف الإِلٰهيَّة وأَبحاثها ، وباب ينفتح منه أَلف باب ، يجدر الِالتفات إِليها ، وهي : « أَنَّ المخلوق الَّلاحِق ـ لحوق وجودي لا زماني ـ تستحيل عليه معرفة كُنْه حقيقة المخلوق السَّابق وجوداً ». والنُّكْتَةُ : واضحة ؛ فإِنَّ المخلوق الأَسبق وجوداً واسطة فيض للمخلوق اللَّاحِق ، ويُحيط به ، ويُهيمن عليه ، وغير محدود وغير متناهٍ بالنِّسْبَة إِليه ، وَأَعظم منه فكيف يُحيط اللَّاحِق به!!